الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الشِّغَارِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا وَلِيَّةَ هَذَا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ وَلِيَّتَهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ ذَكَرَا فِي كُلِّ ذَلِكَ صَدَاقًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَاقًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يُفْسَخُ أَبَدًا، وَلاَ نَفَقَةَ فِيهِ ;، وَلاَ مِيرَاثَ، وَلاَ صَدَاقَ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلاَ عِدَّةَ. فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَامِلاً، وَلاَ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ لَهُ لاَحِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ عَالِمَةً بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا. قال أبو محمد: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ وَيُفْسَخُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أُزَوِّجُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ يُفْسَخُ، هَذَا إنْ دَخَلَ بِهَا. وقال الشافعي: يُفْسَخُ هَذَا النِّكَاحُ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِي ذَلِكَ مَهْرٌ، فَإِنْ سَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا، أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ثَبَتَ النِّكَاحَانِ مَعًا، وَبَطَلَ الْمَهْرُ الَّذِي سَمَّيَا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ، أَوْ وَطِئَهَا، أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ذَكَرَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا، أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا أَصْلاً، أَوْ اشْتِرَاطًا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لاَ صَدَاقَ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي هَذَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُمَا إنْ سَمَّيَا صَدَاقًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا إِلاَّ الْمُسَمَّى. قال أبو محمد: وَاَلَّذِي قلنا بِهِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَوَجَدْنَا فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا تَحْرِيمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ سِوَاهُ. فَنَظَرْنَا فِي أَقْوَالِ مَنْ خَالَفَ: فأما قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَوْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَبْيِينُنَا لِفَسَادِهِ وَتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَسَدَ هَذَا النِّكَاحُ لِفَسَادِ صَدَاقِهِ فَقَطْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّدَاقُ الْفَاسِدُ يَفْسَخُ، فَكَانَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى، فَهُمَا مَفْسُوخَانِ قَالَ: فَإِنْ سَمَّيَا لأَِحْدَاهُمَا صَدَاقًا صَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَصَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى لِصِحَّةِ صَدَاقِهِ. قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا قَوْلاً فَاسِدًا، لأََنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ الصَّدَاقُ صَحِيحًا فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، فَلاَ مَعْنَى لِفَسْخِهِ وَإِصْلاَحِهِ بِصَدَاقٍ آخَرَ إذًا. فإن قال قائل: بَلْ هُوَ فَاسِدٌ. قلنا: فَقُلْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ وَيُصْلِحُ الصَّدَاقَ، وَإِلَّا فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا. قال أبو محمد: وَدَعْوَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الشِّغَارِ لِفَسَادِ الصَّدَاقِ فِي كِلَيْهِمَا دَعْوَى كَاذِبَةٌ؛ لأََنَّهَا تَقْوِيلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَآخَرَ مَعَهُ هُوَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُبَدِّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قلنا: أَمَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَهُمَا خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، كَاَلَّذِي قَدَّمْنَا، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِمَا صَدَاقٌ أَوْ لأَِحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّدَاقَ جُمْلَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مَا فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الآخَرُ وَهُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إنَّمَا فِيهِمَا تَحْرِيمُ الشِّغَارِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ لاَ بِتَحْرِيمٍ، وَلاَ بِإِجَازَةٍ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى الْكَذِبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: فَوَجَدْنَا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ قَدْ وَرَدَا بِعُمُومِ الشِّغَارِ، وَبَيَانِ أَنَّهُ الزَّوَاجُ بِالزَّوَاجِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عليه الصلاة والسلام فِيهِمَا ذِكْرُ صَدَاقٍ، وَلاَ السُّكُوتُ عَنْهُ، فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا عَلَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَخَبَرُ أَنَسٍ زِيَادَةُ عُمُومٍ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا. قال أبو محمد: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَوَجَدْنَا الشِّغَارَ ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ قَدْ اشْتَرَطَا فِيهِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ قَالَ: إنَّ الْعَبَّاسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ: وَكَانَا جَعَلاَ صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو محمد: فَهَذَا مُعَاوِيَةُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ يَفْسَخُ هَذَا النِّكَاحَ وَإِنْ ذَكَرَا فِيهِ الصَّدَاقَ وَيَقُولُ: إنَّهُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَشْنِيعِ الْحَنَفِيِّينَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كَدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ فِي نَزْحِ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا فَنَزَحَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتُوا هَاهُنَا إلَى مَا عَظَّمُوهُ وَحَرَّمُوهُ هُنَالِكَ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، لأََنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ وَرَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَشَاهَدَ هَذَا الْحُكْمَ بِالْمَدِينَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. لاَ سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي أُمَيَّةَ يَأْتِي بِهِ الْبَرِيدُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ، هَذَا مَا لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِهَا وَالصَّحَابَةُ يَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ وَالْمَدِينَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ الَّذِينَ كَانُوا أَحْيَاءً أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلاَ شَكٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ رَجُلَيْنِ أَنْكَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخْتَهُ بِأَنْ يُجَهِّزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِهَازٍ يَسِيرٍ لَوْ شَاءَ أَخَذَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ، نُهِيَ عَنْ الشِّغَارِ: فَقُلْت لَهُ: إنَّهُ قَدْ أَصْدَقَهَا كِلاَهُمَا قَالَ: لاَ، قَدْ أَرْخَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ فَقُلْت لِعَطَاءٍ: يُنْكِحُ هَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا وَهَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا بِصَدَاقٍ كِلاَهُمَا يُسَمِّي صَدَاقَهُ، وَكِلاَهُمَا أَرْخَصَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ قَالَ: إذَا سَمَّيَا صَدَاقًا فَلاَ بَأْسَ، فَإِنْ قَالَ: جَهِّزْ وَأُجَهِّزُ فَلاَ ذَلِكَ الشِّغَارُ، قُلْت: فَإِنْ فَرَضَ هَذَا وَفَرَضَ هَذَا قَالَ: لاَ. قال أبو محمد: فَفَرَّقَ عَطَاءٌ بَيْنَ النِّكَاحَيْنِ يُعْقَدُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ ذَكَرَا صَدَاقًا أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فَأَبْطَلَهُ، وَبَيْنَ النِّكَاحَيْنِ لاَ يَعْقِدُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، فَأَجَازَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَمَا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلاَفًا لِمَا ذَكَرْنَا. قال أبو محمد: فَإِنْ خَطَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الآخَرِ فَزَوَّجَهُ، ثُمَّ خَطَبَ الآخَرُ إلَيْهِ فَزَوَّجَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَاطِلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُعْقَدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا . فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَفْسُوخٍ بَاطِلٌ أَبَدًا، لأََنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَنْ لاَ صِحَّةَ لِذَلِكَ الْعَقْدِ إِلاَّ بِذَلِكَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ الْمَهْرُ بَاطِلٌ، فَاَلَّذِي لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِصِحَّةِ بَاطِلٍ بَاطِلٌ، بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَصِحُّ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ أَصْلاً، حَاشَا الصَّدَاقَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمَدْفُوعَ، أَوْ الْمُعَيَّنَ، وَعَلَى أَنْ لاَ يَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا: إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَأَمَّا بِشَرْطِ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَنْ لاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلٌ، سَوَاءٌ عَقَدَهَا بِعِتْقٍ أَوْ بِطَلاَقٍ أَوْ بِأَنْ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ أَنَّهَا بِالْخِيَارِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا، أَوْ عَلَى حُكْمِ فُلاَنٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ أَجَازَ بَعْضَ ذَلِكَ قَوْمٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الأَشْعَثَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ، فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ عَنْ عُمَرَ، لأََنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى حُكْمِهِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلاَّ مَا حَكَمَ بِهِ الزَّوْجُ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وقال مالك: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ. قال أبو محمد: هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ مَجْهُولٌ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَحْتَكِمَ هِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي الْعَالَمِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَكِمَ هُوَ بِلاَ شَيْءٍ، فَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالنِّكَاحُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ. فأما إنْ اشْتَرَطَا ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا: خَطَأٌ، لأََنَّهُ فَسْخُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا فَمَنْ اشْتَرَطَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ نِكَاحٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لاَ يَشْتَرِطَ لَهَا أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ رَجُلٌ أَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: هَلَكَتْ الرِّجَالُ إذْ لاَ تَشَاءُ امْرَأَةٌ تُطَلِّقُ زَوْجَهَا إِلاَّ طَلَّقَتْهُ فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ. وبه إلى سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ نَا عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أُتِيَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَشَارَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَ آخَرُونَ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا، فَوَضَعَ عُمَرُ عَنْهُ الشَّرْطَ وَقَالَ: الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا. وبه إلى سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبَّادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ، قَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ، قَالاَ جَمِيعًا: يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِطَلاَقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَوْ بِتَخْيِيرِهَا. قال علي: هذا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ خِلاَفٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ. قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِإِلْزَامِ هَذِهِ الشُّرُوطِ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ. قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا، وَلاَ مُسْلِمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ: فِي أَنَّهُ إنْ شَرَطَ لَهَا أَنْ تَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ أَنْ تَدَعَ الصَّلاَةَ، أَوْ أَنْ تَدَعَ صَوْمَ رَمَضَانَ، أَوْ أَنْ يُغَنِّيَ لَهَا، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ لَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ لاَ يَلْزَمُهُ. فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ قَطُّ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَرْطًا فِيهِ تَحْرِيمُ حَلاَلٍ، أَوْ تَحْلِيلُ حَرَامٍ، أَوْ إسْقَاطُ فَرْضٍ، أَوْ إيجَابُ غَيْرِ فَرْضٍ، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لأََوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلأََوَامِرِهِ عليه الصلاة والسلام. وَاشْتِرَاطُ الْمَرْأَةِ أَنْ لاَ يَتَزَوَّجَ، أَوْ أَنْ لاَ يَتَسَرَّى، أَوْ أَنْ لاَ يَغِيبَ عَنْهَا أَوْ أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا عَنْ دَارِهَا كُلُّ ذَلِكَ تَحْرِيمُ حَلاَلٍ، وَهُوَ وَتَحْلِيلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ سَوَاءٌ، فِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَرَادَ شَرْطَ الصَّدَاقِ الْجَائِزِ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ الْفَرْجَ لاَ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا تَعْلِيقُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِطَلاَقٍ، أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ تَخْيِيرِهَا، أَوْ تَمْلِيكِهَا أَمْرَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الأَيْمَانِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ حَالِفًا، وَلاَ هِيَ يَمِينًا، وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْبَةُ فَقَطْ، وَلِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنَّ تَخْيِيرَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، أَوْ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمْرَهَا: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَصَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عَمَلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلاَ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا أَوْ الْبَقَاءِ مَعَهُ إِلاَّ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعْتَقَةِ، وَلاَ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ أَمْرَ نَفْسِهَا أَبَدًا فَسَقَطَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ وَصَيْفًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، أَوْ خَادِمًا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ بَيْتًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، وَلاَ مَحْدُودٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ يَعْرِفُ مَا هُوَ، فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ مَعْرُوفٍ، بَلْ عَلَى مَالِهَا أَنْ تَقُولَ: قِيمَةُ كُلِّ ذَلِكَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَيَقُولَ هُوَ: بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ تَعَاقَدَا ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ، وَيَقْضِي لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ: رُوِّينَا إجَازَةَ ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى وَصَيْفٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَرَبِيٌّ وَهِنْدِيٌّ، وَحَبَشِيٌّ، وَتُجْمَعُ الْقِيَمُ وَيَقْضِي لَهَا بِمِثْلِهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا فِي الْوَصِيفِ الأَبْيَضِ خَمْسُونَ مِثْقَالاً، فَإِنْ أَعْطَاهَا وَصَيْفًا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَيَقْضِي لَهَا فِي الْبَيْتِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِي الْخَادِمِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ. قال أبو محمد: فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَجَبٌ يُغْنِي إيرَادُهُ عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّحَكُّمِ الْبَارِدِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وقال مالك، وَالشَّافِعِيُّ: لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. قال علي: وهذا عَجَبٌ آخَرُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ هَذَا الْوَسَطُ وَمِنْ الْوُصَفَاءِ مَا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِينَارًا، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الآرَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قال أبو محمد: وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ حَلاَلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْخًا بَاتًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، رضي الله عنهم، مِنْهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَدٌ ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ إلَى قُرْبِ آخَرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. وَاخْتُلِفَ فِي إبَاحَتِهَا، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ فِيهَا تَوَقُّفٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا عَدْلاَنِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُوس، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الآثَارَ الْمَذْكُورَةَ فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الْإِيصَالُ " وَصَحَّ تَحْرِيمُهَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا: عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا وَفَسْخِ عَقْدِهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ زُفَرُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قال أبو محمد: لَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الشِّغَارِ، وَالْمَوْهُوبَةِ، فَأَبَاحُوهَا، وَهِيَ فِي التَّحْرِيمِ أَبْيَنُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. وَنَقْتَصِرُ مِنْ الْحُجَّةِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى خَبَرِ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: مَنْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ فَلْيُعْطِهَا مَا سَمَّى لَهَا، وَلاَ يَسْتَرْجِعْ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئًا، وَيُفَارِقْهَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قال أبو محمد: مَا حَرَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ أَمِنَّا نَسْخَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَفَاسِدٌ، لأََنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ عَلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَمَنْ أَبْطَلَ هَذَا الشَّرْطَ وَأَجَازَ الْعَقْدَ، فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ قَطُّ، وَلاَ الْتَزَمَاهُ قَطُّ، لأََنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ يَدْرِي بِلاَ شَكٍّ أَنَّ الْعَقْدَ الْمَعْقُودَ إلَى أَجَلٍ هُوَ غَيْرُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ [ بِلاَ شَكٍّ ]. فَمِنْ الْبَاطِلِ إبْطَالُ عَقْدٍ تَعَاقَدَاهُ وَإِلْزَامُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ أَنْ يَأْمُرَنَا بِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، لاَ أَحَدَ دُونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الْأُمِّ، وَلاَ الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلاَ الْبِنْتِ، وَلاَ بِنْتٍ مِنْ قِبَلِ الْبِنْتِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الأَبْنِ وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلاَ نِكَاحُ الْأُخْتِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلاَ نِكَاحُ بِنْتِ أَخٍ، أَوْ بِنْتِ أُخْتٍ، وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلاَ نِكَاحُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلاَ نِكَاحُ أُمِّ الزَّوْجِ، وَلاَ جَدَّتِهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ. وَلاَ أُمِّ الأَمَةِ الَّتِي حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلاَ نِكَاحُ جَدَّتِهَا وَإِنْ بَعُدَتْ. قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَالَ عَلِيٌّ: وَالْجَدَّةُ كَيْفَ كَانَتْ أُمَّ أَبٍ، أَوْ أُمَّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ جَدِّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ أُمِّ جَدٍّ، أَوْ جَدَّةَ أُمٍّ، أَوْ أُمَّ أُمٍّ. كُلُّ هَؤُلاَءِ " أُمٌّ " قَالَ تَعَالَى:
وَكُلُّ مَا حَرُمَ مِنْ الأَنْسَابِ، وَالْحُرُمُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تُرْضِعُ الرَّجُلَ فَهِيَ أُمُّهُ، وَأُمُّهَا جَدَّتُهُ، وَجَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا كُلُّهُنَّ أُمٌّ لَهُ. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَهُنَّ أَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ. وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ فَهُنَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ. وَعَمَّاتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَخَالاَتُهَا خَالاَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَعَمَّاتُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَمَّاتُهُ وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا حَرَّمَتْهُ الْوِلاَدَةُ حَرَّمَهُ الرَّضَاعُ.
وَلاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ وِلاَدَةٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ بِزَوَاجٍ، وَلاَ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلاَ إحْدَاهُمَا بِزَوَاجٍ، وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلاَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَلاَ بَيْنَ الْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا، كَمَا قلنا فِي الْأُخْتَيْنِ سَوَاءً سَوَاءً. فَمَنْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ، أَوْ عَمَّةٌ وَبِنْتُ أَخِيهَا، أَوْ خَالَةٌ وَبِنْتُ أُخْتِهَا، فَهُمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ حَرَامٌ، حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ، أَوْ حَتَّى تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِأَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ: حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ. فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مِلْكِهِ الْأُخْرَى رَجَعَتْ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ، وَبَقِيَتْ الْأُولَى حَلاَلاً كَمَا كَانَتْ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَنْ مِلْكِهِ أَوْ زَوَّجَهَا أَوْ مَاتَتْ: حَلَّتْ لَهُ الَّتِي كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ: حَلَّ لَهُ زَوَاجُ الْأُخْرَى. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَتَمَّتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قال أبو محمد: مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى غَفَرَ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّهُ تَعَالَى أَبْقَاهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِالزَّوَاجِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَطَائِفَةٌ أَحَلَّتْهُمَا، وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِي ذَلِكَ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: يَطَأُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، فَإِذَا وَطِئَهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى. فَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَنَّ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَالْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا يَعْنِي بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَأَخْبَرَهُ عِكْرِمَةُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: لاَ تُحَرِّمُهُنَّ عَلَيْك قَرَابَةٌ بَيْنَهُنَّ، إنَّمَا يُحَرِّمُهُنَّ عَلَيْك الْقَرَابَةُ بَيْنَك وَبَيْنَهُنَّ. قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَيَقُولُ: إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ هِيَ مُرْسَلَةٌ. قَالَ عَلِيٌّ : وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَقَالَ أبو محمد: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَحَلَّهُمَا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ فِي التَّوَقُّفِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " سُئِلَ عُمَرُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ أُمٍّ وَابْنَتِهَا فَقَالَ عُمَرُ: مَا أُحِبُّ أَنْ يُجِيزَهُمَا جَمِيعًا ". وَقَالَ ابْنُ عُتْبَةَ: فَوَدِدْتُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَشَدَّ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّ نِيَارًا الأَسْلَمِيَّ اسْتَفْتَى عُثْمَانَ فِي امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ أُخْرَى، وَلَمْ أَكُنْ لأََفْعَلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا التَّوَقُّفَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ " سَأَلْت ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فَقَالَ: حَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَأَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي قلنا بِهِ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الأَمَةِ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا قَالَ لاَ، حَتَّى يُخْرِجَهَا عَنْ مِلْكِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّهُمْ قَالُوا: إذَا زَوَّجَهَا فَلاَ بَأْسَ بِأُخْتِهَا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ زَوَّجَهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: إنَّ ابْنَ عَامِرٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ يَقْرَبَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا. وبه إلى الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مَمْلُوكَتَانِ أُخْتَانِ فَلاَ يَغْشَيَنَّ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُخْرِجَ الْأُخْرَى عَنْ مِلْكِهِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: مَنْ عِنْدَهُ أُخْتَانِ مَمْلُوكَتَانِ لاَ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَلاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا عَنْ مِلْكِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَمَةٍ لَهُ قَدْ كَبُرَتْ وَكَانَ يَطَؤُهَا وَلَهَا ابْنَةٌ، أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يَغْشَاهَا فَقَالَتْ لَهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْهَاك عَنْهَا وَمَنْ أَطَاعَنِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قُلْت لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَك مُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ أَبِي الأَخْضَرِ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: يَحْرُمُ مِنْ الْإِمَاءِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْحَرَائِرِ إِلاَّ الْعَدَدَ قَالَ سُفْيَانُ: نَعَمْ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ. قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَلُحْ لَهُ الْبَيَانُ فَحُكْمُهُ التَّوَقُّفُ، وَأَمَّا مَنْ أَحَلَّهُمَا، فَإِنَّهُ غَلَّبَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّصَّيْنِ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْلِيبِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ بِأَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ: أَمَّا كَمَا قَالَ مَنْ ذَكَرْنَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. وَأَمَّا كَمَا قلنا نَحْنُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا أُخْتَيْنِ، أَوْ أُمَّ امْرَأَةٍ حَلَّتْ لَكُمْ، أَوْ عَمَّةً وَبِنْتَ أَخِيهَا، أَوْ خَالَةً وَبِنْتَ أُخْتِهَا، فَإِذْ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الأَسْتِثْنَاءَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ ضَرُورِيٍّ، وَأَمَّا بِالدَّعْوَى فَلاَ، فَطَلَبُنَا، هَلْ لِلْمُغَلِّبِينَ الْمُسْتَثْنِينَ مِلْكَ الْيَمِينِ مِنْ تَحْرِيمِ: الْأُخْتَيْنِ، وَالْأُمِّ وَابْنَتِهَا، وَالْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَالْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا برهان فَلَمْ نَجِدْهُ أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَنْهَنَا قَطُّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ؛ لأََنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَمُحَالٌ أَنْ يُخَاطِبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُحَالِ، أَوْ أَنْ يَنْهَانَا عَنْ الْمُحَالِ. فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نَهَانَا عَنْ مَعْنًى يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، وَلَيْسَ إِلاَّ الزَّوَاجُ لأََنَّ جَمْعَهُمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ جَائِزٌ حَلاَلٌ بِلاَ خِلاَفٍ . فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَنْهَانَا عَنْ الْمُحَالِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ، وَأَخْطَأْتُمْ فِي تَخْصِيصِكُمْ بِنَهْيِهِ الزَّوَاجَ فَقَطْ، لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِلاَ برهان، بَلْ نَهَانَا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالزَّوَاجِ، وَبِاسْتِحْلاَلِ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَبِالتَّلَذُّذِ مِنْهُمَا مَعًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ، فَهَلُمُّوا دَلِيلاً عَلَى تَخْصِيصِكُمْ الزَّوَاجَ دُونَ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ نَجِدْهُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، فَلَزِمْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِنَا وَإِلَّا فَهِيَ دَعْوَى وَدَعْوَى: فَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَمْ يَزَالُوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَتَّى أَغْضَبُوهُ يَعْنِي فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ حَمْلَك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ شَاءَ، وَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَطَأْ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ لاَ يَخْلُو قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ جَمِيعًا فَهَذَا قَوْلُنَا، أَوْ إنَّهُمَا جَمِيعًا حِينَئِذٍ حَلاَلٌ، فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ خِلاَفُ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا حَلاَلٌ لَهُ وَالْأُخْرَى حَرَامٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
وَجَائِزٌ لِلأَخِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الَّتِي مَاتَ أَخُوهُ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ إثْرَ طَلاَقِ الأَخِ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا. وَكَذَلِكَ لِلْعَمِّ وَلِلْخَالِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّهُمَا كَانَ: امْرَأَةً مَاتَ عَنْهَا ابْنُ الأَخِ أَوْ ابْنُ الْأُخْتِ، أَوْ طَلَّقَاهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلاَقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. وَكَذَلِكَ لأَبْنِ الأَخِ، وَلأَبْنِ الْأُخْتِ أَنْ يَتَزَوَّجَا امْرَأَةَ الْعَمِّ، أَوْ الْخَالِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ طَلاَقِهِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلاَقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. هَذَا لاَ نَصَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَلَدِ زَوَاجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَلاَ مَنْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَبُوهُ وَحَلَّتْ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَهُ تَمَلُّكُهَا، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ امْرَأَةٍ، وَلاَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ حَلَّ لِوَلَدِهِ وَطْؤُهَا أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَصْلاً. وَالْجَدُّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ عَلاَ مِنْ قِبَلِ الأَبِ أَوْ الْأُمِّ كَالأَبِ، وَلاَ فَرْقَ. وَابْنُ الأَبْنِ، وَابْنُ الأَبْنَةِ وَإِنْ سَفُلاَ كَالأَبْنِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ فَرْقَ. قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ عَقَدَ فِيهَا الرَّجُلُ زَوَاجًا فَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِهَا فِي الأَبَدِ عَلَى أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَعَلَى مَنْ تَنَاسَلَ مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ أَبَدًا. وَأَمَّا مَنْ حَلَّتْ لِلرَّجُلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَ، وَعَلَى مَنْ وَلَدَهُ وَفِيمَا لَمْ يَطَأْهَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَيَسَّرَ لَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ: ذَكَرَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَلَدِهِ وَآبَائِهِ بِتَجْرِيدِهِ لَهَا فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: جَرَّدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَارِيَةً فَنَظَرَ إلَيْهَا ثُمَّ نَهَى بَعْضَ وَلَدِهِ أَنْ يَقْرَبَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى جَارِيَةً فَجَرَّدَهَا وَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: أَعْطِنِيهَا، فَقَالَ: إنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَك، إنَّمَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْك النَّظَرُ وَالتَّجْرِيدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إنْ جَرَّدَهَا الأَبُ حَرَّمَهَا عَلَى الأَبْنِ، وَإِنْ جَرَّدَهَا الأَبْنُ حَرَّمَهَا عَلَى الأَبِ. قال أبو محمد: هَذَا صَحِيحٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَلاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُهَا إِلاَّ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ فُضَيْلٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: إنَّ جَارِيَتِي هَذِهِ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْكُمْ إِلاَّ اللَّمْسُ وَالنَّظَرُ قَالَ سَعِيدٌ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَسْرُوقًا قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ: لَمْ أُصِبْ مِنْهَا إِلاَّ مَا حَرَّمَهَا عَلَى وَلَدِي اللَّمْسَ وَالنَّظَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يُحَرِّمُ الْوَالِدُ عَلَى وَلَدِهِ، وَالْوَلَدُ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَرْجِهَا، أَوْ فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ يُحَرِّمُ: الْأُمَّ وَالْبِنْتَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُحَرِّمُهَا عَلَى الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ النَّظَرُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ وَكَانَ بَدْرِيًّا أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لَهُ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا بَنُوهُ وَقَالَ: لَمْ أُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ أَنِّي نَظَرْتُ مَنْظَرًا أَكْرَهُ أَنْ يَنْظُرُوهُ مِنْهَا. قال أبو محمد: هَذَا وَهْمٌ مِنْ أَبِي شِهَابٍ، إنَّمَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ كَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ أَبُوهُمَا بَدْرِيًّا أَنَّهُ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لَهُ أَنْ يَبِيعُوهَا، وَلاَ يَقْرَبُوهَا كَأَنَّهُ اطَّلَعَ مِنْهَا مُطَّلَعًا كَرِهَ أَنْ يَطَّلِعُوا مِنْهَا عَلَى مِثْلِ مَا اطَّلَعَ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ اللَّمْسَ لِشَهْوَةٍ، أَوْ النَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ يُحَرِّمُهَا، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " إذَا قَبَّلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لَمْ تَحِلَّ لأََبِيهِ، وَلاَ لأَبْنِهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ مِنْ شَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لأََبِيهِ، وَلاَ لأَبْنِهِ وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ. وقال مالك: إذَا نَظَرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ حَرُمَتْ فِي الأَبَدِ عَلَى الْوَلَدِ، كَالسَّاقِ، وَالشَّعْرِ، وَالصَّدْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ سُفْيَانُ: إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا حَرُمَتْ عَلَى وَلَدِهِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ: مِثْلُ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: أَيُّهُمَا مَلَكَ عُقْدَتَهَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَى الآخَرِ يَعْنِي الأَبَ وَالأَبْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ قَالَ: إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ عُقْدَةَ الْمَرْأَةِ حَرُمَتْ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ. قال أبو محمد: مَنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ فَقَدْ مَلَكَ الْعُقْدَةَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: سَمِعْت لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ يَقُولُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: مَنْ مَلَكَ جَارِيَةً مَلَكَهَا أَبُوهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ فَرْجُهَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ يُحَرِّمُهَا عَلَى الْوَلَدِ إِلاَّ الْوَطْءُ فَقَطْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْوَطْءُ يَعْنِيَانِ إمَاءَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ. قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ حَرَّمَهَا بِالْمَسِّ لِلشَّهْوَةِ دُونَ مَا دُونَ ذَلِكَ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ خَاصَّةً دُونَ مَا دُونَ ذَلِكَ، أَوْ بِالنَّظَرِ إلَى مَحَاسِنِهَا لِشَهْوَةٍ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ، فَأَقْوَالٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، إنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مُجَرَّدَةٌ لاَ يُؤَيِّدُهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ. وَأَمَّا صِحَّةُ قَوْلِنَا: فَلِلْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، قَالَ :، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: لَقِيَنِي عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ. قال أبو محمد: الأَمَةُ الْحَلاَلُ لِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ لَهُ وَطِئَهَا أَوْ لَمْ يَطَأْهَا، نَظَرَ إلَيْهَا، أَوْ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهَا، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَوْ مَلَكَهَا وَلَهَا ابْنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَدَخَلَ بِالْأُمِّ مَعَ ذَلِكَ وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ، لَكِنْ خَلاَ بِهَا بِالتَّلَذُّذِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ ابْنَتُهَا أَبَدًا، فَإِنْ دَخَلَ بِالْأُمِّ وَلَمْ تَكُنِ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ كَانَتْ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالْأُمِّ، فَزَوَاجُ الأَبْنَةِ لَهُ حَلاَلٌ. وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أُمٌّ أَوْ مَلَكَ أَمَةً تَحِلُّ لَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَالْأُمُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبَدَ الأَبَدِ وَطِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الأَبْنَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: أَحَدُهُمَا: سُكْنَاهَا مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَكَوْنُهُ كَافِلاً لَهَا. وَالثَّانِي: نَظَرُهُ إلَى أُمُورِهَا نَحْوَ الْوِلاَيَةِ لاَ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَقَعُ بِهِ عَلَيْهَا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ. وَأَمَّا أُمُّهَا فَيُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلاَسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: هُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا إنْ طَلَّقَ الأَبْنَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ هُوَ قَاضِي صَنْعَاءَ قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: الرَّبِيبَةُ، وَالْأُمُّ سَوَاءٌ لاَ بَأْسَ بِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ كِنَانَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً بِالطَّائِفِ، قَالَ فَلَمْ أَمَسَّهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عَمِّي عَنْ أُمِّهَا وَأُمُّهَا ذَاتُ مَالٍ كَثِيرٍ فَقَالَ لِي أَبِي: هَلْ لَك فِي أُمِّهَا قَالَ: فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرْته الْخَبَرَ فَقَالَ: انْكِحْ أُمَّهَا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً شَابَّةً فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا فَقَالَتْ لَهُ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك، فَجَاءَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ فَاسْتَفْتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَأَفْتَاهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ عَلَى مَا نُورِدُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَبِهِ يَقُولُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ أُمِّ الزَّوْجَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إذَا طَلَّقَ الأَبْنَةَ وَلَمْ يُبِحْهُ إنْ مَاتَتْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا قَالَ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إنْ طَلَّقَ الأَبْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا. وَطَائِفَةٌ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْأُمِّ وَالأَبْنَةِ: رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِي كُلِّ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا فَقَالَتْ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك فَسَأَلَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَزَمَ فِي الْأُمِّ وَأَرْخَصَ فِي الرَّبِيبَةِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ إرْخَاصَ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَنَهْيَ مَنْ نَهَاهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: قَدْ جَاءَنِي كِتَابُك وَفَهِمْت الَّذِي فِيهِ، وَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلاَ أُحَرِّمُ عَلَيْك مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك، وَلَعَمْرِي إنَّ النِّسَاءَ كَثِيرٌ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَهُ الَّذِي سَأَلَهُمْ فَكُلُّهُمْ قَالَ: صَدَقَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا. قال أبو محمد: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُمْ} مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَوْله تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ الأَسْتِثْنَاءَ فِي " الرَّبَائِبِ " خَاصَّةً، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى " أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي " الرَّبِيبَةِ " فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا فَقَدْ حَرُمَتْ الْبِنْتُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ: رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا نَكَحَ ابْنَتَهَا إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَالَ عِمْرَانُ: لاَ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ قَالَ: كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوُفِّيَتْ، فَوَجَدْت عَلَيْهَا، فَلَقِيت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِي: مَالَك قُلْت: تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ، قَالَ: أَلَهَا ابْنَةٌ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك قُلْت: لاَ، هِيَ فِي الطَّائِفِ، قَالَ: فَانْكِحْهَا قُلْت: وَأَيْنَ قوله تعالى: وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَوْأَةَ يُقَالُ لَهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْجَدَهُ نَكَحَ امْرَأَةً ذَاتَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ نَكَحَ امْرَأَةً شَابَّةً، فَقَالَ لَهُ أَحَدُ بَنِيِّ الْأُولَى: قَدْ نَكَحْت عَلَى أُمِّنَا وَكَبُرَتْ فَاسْتَغْنَيْتُ عَنْهَا بِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ فَطَلِّقْهَا قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ إِلاَّ أَنْ تُنْكِحَنِي ابْنَتَك قَالَ: فَطَلَّقَهَا وَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، وَلاَ أَبُوهَا ابْنَ الْعَجُوزِ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ: فَجِئْت سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْت لَهُ: اسْتَفْتِ لِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لِتَجِيءَ مَعِي فَأَدْخَلَنِي عَلَى عُمَرَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَاذْهَبْ فَسَلْ فُلاَنًا ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي قَالَ: وَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ عَلِيًّا قَالَ: فَسَأَلْته فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. قال أبو محمد: لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ نَصٍّ. قال أبو محمد: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: قوله تعالى: وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ لِلْأُمِّ الَّتِي تَتَزَوَّجُ تُحَرِّمُ ابْنَتَهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الدُّخُولَ: هُوَ أَنْ يَكْشِفَ، وَيُفَتِّشَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا قَالَ: فَلَوْ غَمَزَ وَلَمْ يَكْشِفْ لَمْ تُحَرَّمْ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا: أَنَّهُ الدُّخُولُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا. قال أبو محمد: وَشَغَبَ الْمُخَالِفُونَ الَّذِينَ لاَ يُرَاعُونَ كَوْنَ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا مَعَ دُخُولٍ بِهَا بِآثَارٍ فَاسِدَةٍ. مِنْهَا: خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا. وَهَذَا هَالِكٌ مُنْقَطِعٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى: ضَعِيفَانِ. وَبِخَبَرٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا " مَنْ كَشَفَ عَنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا فَهُوَ مَلْعُونٌ " وَهَذَا طَرِيفٌ جِدًّا. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرْت عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا قَالَ: لاَ أَرَى ذَلِكَ، وَلاَ يَصْلُحُ لَك أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَغْمِزُهَا لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: أَنْ لاَ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَهَذَا أَشَدُّ انْقِطَاعًا. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام: وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي فِي الرَّضَاعَةِ. قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ . فَقُلْنَا: وَلاَ ذَكَرَ دُخُولَهُ بِهَا أَيْضًا، إنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ كَوْنُهَا رَبِيبَةً لَهُ فَقَطْ وَبِعَقْدِ النِّكَاحِ تَكُونُ رَبِيبَتَهُ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَكَيْفَ وَهَذَا خَبَرٌ هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَرَوَاهُ مَنْ لَيْسَ دُونَ هِشَامٍ فَزَادَ بَيَانًا: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَأَثْبَتُوا فِيهِ ذِكْرَهُ عليه الصلاة والسلام كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، وَلاَ شَكَّ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ أَسْقَطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَفْظَةً أَثْبَتَهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ فِي الْحِفْظِ، فَلاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِالأَنْقَصِ عَلَى خِلاَفِ مَا فِي الْقُرْآنِ. وَمَوَّهُوا بِحَمَاقَاتٍ: مِثْلُ أَنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: قال أبو محمد: هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِخْبَارٌ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَاطِلِ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْنَا: لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِحْلاَلِ الْمَوْهُوبَةِ وَاَلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا فَرِيضَةٌ لَمَا حَلَّتْ إِلاَّ اللَّاتِي يُؤْتِيهِنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأَنْتُمْ لاَ نَصَّ فِي أَيْدِيكُمْ يُحَرِّمُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ مِنْ الرَّبَائِبِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ: كُلُّ تَحْرِيمٍ لَهُ سَبَبَانِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا انْفَرَدَ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ قال علي: وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، بَلْ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ دُونَ اجْتِمَاعِهِ فِي السَّبَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مَعَهُ. وَادَّعَوْا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ الَّذِي رَوَى عَنْ عَلِيٍّ إبَاحَةَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ قَالَ عَلِيٌّ: بَلْ كَذَبُوا، هُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ، رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ. فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|